29 - 06 - 2024

تباريح | فيصل الخيري

تباريح | فيصل الخيري

(أرشيف المشهد)

12-8-2012 | 02:08

عقود طويلة من السنوات وهو يراوغ كل شيء.. التاريخ كي يثبت أن فلسطين أرضه وأرض أجداده الأولين، لم يطأها اليهود أصلا، ولم يحكموا منها في أزهى عصورهم إلَّا مناطق محدودة.. والجغرافيا متنقلا من قطاع غزة حيث ولد وشبَّ إلى المغرب بعدما ضاقت بهه سفائن الوطن ومنها إلى مصر حيث بإمكانه أن يمد بصره من حدودها فيرى الأرض التي أنبتته.. يراوغ الزمن الذي حوله إلى غريب، فاصطفى أحبابًا في كل اتجاه لكسر غربته مستلهما قول الإمام علي لابنه الحسن: « يا بني .. الغريب من ليس له حبيب». راوغ الموت مرات حين قاتل بالبندقية في بدايات معرفته للقائد الفلسطيني أبو جهاد»خليل الوزير» ومرات أخرى راوغ الموت المعنوي حين أراد البعض استخدام جهده البحثي، لِلَي الحقائق وتبرير السياسات الانهزامية، وظل شامخًا لا تكاد تلحظ تقوس ظهره من كثرة ما انكب على البحث.

فيصل صالح الخيري.. مؤرخ من طراز فريد، انقطع لأبحاثه ورضي بالكفاف كي يكون ولاؤه للحقيقة وحدها وليس لغيرها، كان قريبًا من قمة السلطة الفلسطينية وفت المعارك الثقافية لإحباط ادعاءات الاحتلال عن اكتشافات أثرية تثبت حقا تاريخيا مزعومًا، وبعيد كل البعد أو شبه منفي حين توزع الغنائم، أو تنصب موائد التفاوض. ظل يؤمن عن يقين أن اليهود لو جاءوا بملء الأرض ادعاءات فلن يثبتوا لهم حقًا في شبر من فلسطين، فتحت كل حجر قرينة تثبت عروبتها.

قلَّب فيصل الخيري كل الأوراق منذ العهد القديم وحتى عهد ثورات الفيس بوك ليدحض كل الأكاذيب واحدة تلو الأخرى دون كلل، حتى أسطورة الخروج من مصر كان له رأي فيها، وظل يقاوم أسطورة الخروج إلى مصر عبر كامب ديفيد ومعاهدة الصلح، ويرى أن الحلول الوسط فاشلة تاريخيا لأنها في الغالب مؤقتة وتنتهي بالمغالبة، ظل يرى النصر على إسرائيل قريبا في عز أوقات الظلام والانسحاق، فالفلسطينيون بطبيعة تركيبتهم السلالية لن يكرروا أبدا مأساة الهنود الحمر. استبشر خيرا بالثورة المصرية ولاحت له باعتبارها الضوء الأول لاسترداد فلسطين، لكنه مع موجة الانفلات الأمني التي تلتها أخذ التشاؤم يزحف إلى أحاسيسه، وكثيرا ما حاولت طمأنته بأن بلادنا محروسة وأن أي انفلات يعني» رقصة الموت» للثورة المضادة.. ربما كان يحلم بتكرار النموذج البهي للثورة في أيامها الأولى في غزة والضفة، فقد رأى بأم عينه كيف يصنع الشعب معجزات حين يفيق من غفوته.

يبدو أن فيصل الخيري كان قد ملَّ المراوغة، حين أتاه الموتُ صباح الأربعاء الماضي، وربما رآها فرصة ليلاقي وجه الله على عتبة العشر الأواخر، فسلم نفسه راضيا مرضيا.. رحمة الله وبركاته عليك يا صديقي، طبت حيا وميتا.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان